قلوب أكبر

كان يلزمنا قلوب أكبر..
لتتسع لكل ما يحدث حولنا.. لتتسع لذكرياتنا وأفكارنا.. ومشاعرنا التي تتناقض كثيراً وتختلف كثيراً، لكننا رغم ذلك لا نملك إلا أن نحتويها على اختلافها.
كان يلزمنا قلوب أكبر..
لتتسع لحزن حفر نفسه في عيني طفل صغير.. أو مكث طويلا ً مختبئاً في قلب طيب.. ثم ثار فجأة وأخذ يعدو ويصرخ كمن يهرب من شيء ما.. وهو يحمله معه أينما ذهب.
كان يلزمنا قلوب أكبر..
لتتسع لكل التفاصيل الجميلة..
لرائحة الخبز في الصباح..
والشارع المنير مساءً..
لصوت صغار يلعبون وأصوات ضحكاتهم تداعب الروح..
وضحكة ارتسمت على وجه امرأة، بعد حزن طويل..
كان يلزمنا قلوب أكبر..
كيلا نصاب بالجنون ونحن نفرح للحظة ونحزن لأخرى..
ونحن ممتلئون بكل هذه المشاعر المتناقضة..
تعبث بنا المشاعر.. وتفقدنا القدرة على التصرف الصحيح، فننظر في وجوه الآخرين لنعرف متى نبتسم ومتى نسلم للحزن أنفسنا..
كان يلزمنا قلوب أكبر لتحتمل..
وعقول أكبر لتفهم..
دموع أكثر لأننا بكينا كثيراً..
ضحكات أعرض لأننا نريد أن نفرح..
كان يلزمنا صدق أكثر.. دفء أكثر.. حب أكثر.
وفي النهاية يلزمنا ألا يلزمنا شيء!

IMG_127847895982688

ليتني تركته خلفي

في ذلك اليوم، لم يكن القمر منيراً ولا الجو غائماً، لم يكن المطر يهطل، ولم يكن الهواء عليلا ً، لم يكن هناك أي شيء مميز فعلا ً.. لكنه كان رغم هذا (ذلك اليوم).
لست أدري لم تذكرت صباحاً رجلا ً مسناً حدثني حين التقيته صدفةً عن أشياء حفرت نفسها في ذاكرتي وترددت كثيراً كالصدى..
قال لي: “في كل يوم تذكري أن تنتزعي قلبك من مكانه حين تهمين بأن تغادري المنزل.. هذه مدن لا ينفع معها السير بقلبك كاملا ً. سينخلع!
في الحرب يحدث أن يصبح القلب ثقيلا ً..
يصبح عبئاً..
ويحدث لكِ أن تصادفي الموت في كل زاوية، فإن صادفته لا تردي التحية ولا تلقي السلام.. لا تموتي قبل الأوان!
تصرفي كأنك لم تريه.. تصرفي كأنه لا يراكِ”.

في ذلك اليوم، لم آخذ معي كل أشيائي لأنني كنت أريد أن أعود. أخذت معي دمعي وشيئاً من الحزن ولم أكن
على ما يرام.
أحدق في الوجوه الذاهلة، تلتمع في الأعين دمعة، وكلٌ يفكر بمن ترك خلفه، أباً أو أخاً أو صديقاً أو حتى شخصاً كانوا معه على خصام.
تصل إلى مسامعنا أصوات المدافع، تهتز الأرض فينا أو هكذا نشعر.. كل قذيفة تنطلق تستقر في قلبي.

ويحل المساء..
يدير لي النعاس ظهره وأسأل نفسي: “هل ينام الوطن؟
وكيف ينام؟ كيف ينام على صوت القذائف ورائحة البارود، وخدعة السلام؟ كيف ينام وهناك أم باكية تقف على الطريق، توقف السيارات والمارة لتسألهم من أين جاؤوا.. لتسألهم عن الوطن.. وأخبار الوطن وسرب الحمام؟
لا لن ينام!”

ليتني استمعتُ إليه وتركتُ قلبي خلفي!

03.nocrop.w529.h421

 

مشاهد

(١) المشهد الذي يتكرر كثيراً

_ أي شيء هذا الذي أشعر به؟ بل أي شيء هذا الذي لا أشعر به؟

+ سمعتهم يقولون أن السعادة قد فارقت كل سوري وأنها حيثما وجدته، سلكت طريقاً آخر.

_ إنهم محقون. هي لعنةٌ ما، جنون ما، شيء ما قد مسنا وتركنا نتخبط بعد ذلك في ظلمة لا تزداد سوى ظلاماً يوماً بعد آخر.
لست أعلم ما هذا الذي حل بنا..
وأي اسم أو صفة أطلق عليه..
هل أسميه حرباً أهلية؟ أم طائفية؟ أم حرباً دولية؟ هل هناك صفة تنصف ما يحدث؟
هل هناك اسم معتم يشبه ما نعيشه اليوم؟
لماذا تمضي الحرب متثاقلةً على أرضنا وكأنها قد وجدت فيها مأوىً تحبه ويحبها؟
لماذا كلما حاربناها أنجبت لنا حرباً جديدة؟

+ وهل حاربناها فعلا ً أم أن كل ما فعلناه هو أننا ألقينا بحقدنا وكرهنا على النار المشتعلة فازدادت ضراوةً..
وغرسنا رصاصنا في صدور من نعلم جيداً أنهم إخوتنا.. في صدور من نحب..
تركناه هناك يخدش الأضلاع، يكسر القلب ويستقر ليشهد على كل شيء، كل شيء!

_”الدم لا يصير ماءً”

+ لقد صار الدم ماءً.. بل صار هباءً.

_أي طريق نسلك إذن؟ أي درب؟
في كل طريق يلوح لنا شبح بارودة تميل نحونا، في كل سيارة نركبها نشم رائحة قنبلة ونسمع تكاتها ولا نعلم هل هي تكاتها حقاً أم أن خفقات قلوبنا المذعورة هي التي تدق بصوت خافت وكأنها تخشى أن تعلن عن وجودها أو تكشف عن موقعها، في كل لحظة تصل إلى نوافذ غرفنا رائحة الحرب، تخترق الزجاج، تتسلل إلى أنوفنا، وتتناهى إلى أسماعنا أصوات الهمجية وهي تدمر ما تبقى من كل شيء جميل.

+ هل هذه الأصوات هي أصوات مدافع؟!
أم أنه التعب يدق جدران الروح ويعض القلب؟!

************************************************************

_ أراها مزهرةً دوماً وإن احترقت.
تراها تذكرني شجرة التفاح التي أحببتها؟!

+ للتفاح ذاكرة لا تنسى.. الزهرة التي تفتحت على شجرته، قطرة المطر التي ارتوى بها، واليد الحانية التي مسحت عليه.. كل هذا يذكره جيداً.

**********************************************************

_ أعمار الناس!

+ ما بها؟

_ قصيرة! وحده الحزن عمره يطول!

+ ….!

(٢) المشهد الذي لا نحبه

في أي طريق نسير؟
في أي اتجاه نمضي؟
إلى أين؟
الدروب أمامنا طويلة
قتلى وصرعى على الجانبين
في أي طريق نسير؟
وكل الطرق تؤدي إليها
وكل الطرق لا تفعل!
فنبقى حائرين واقفين بين بين
على الطريق أشباحٌ، خيالاتٌ،
أنصاف بشر
قمرٌ يضيء لنجمتين
طرفان اثنان يقتتلان
يضيئان السماء بالقنابل،
يسقطان على الأرض اثنتين
على الطريق نرى دخاناً،
نرى دماءً،
نرى وطناً قتيلا ً..
وقاتلين!

(٣) المشهد الذي نحبه.. كأن شيئا لم يكن

_ صباحكِ جنة أيتها الأم الحنون.
صباح يشبهك أيتها المدينة التي لا تأسر ولا تخلي السبيل.
حنونة جداً، قاسية جداً. وساحرة جداً!
زهركِ يملأ رئتي..
وشوقي يطفو مع أوراق الورد في بحرة دمشقية، ويمتزج بأذان جماعي في المسجد الأموي وصوت الله أكبر يصدح عالياً، ويتهادى مع مشي الحمام الذي يسكن ساحاتكِ ويزين سماءكِ ويزورنا كثيراً..
سأحكي للطيور عند المسجد الأموي.. سأحكي للصغار..
كيف يتسلق الياسمين على جدرانكِ وكيف يعبث الفل على أرصفتكِ.
كيف تفوح رائحة الخبز الطازج في الصباح، وتسافر فيكِ رائحة القهوة، وكيف تسكنكِ رائحة الحب!
ربما أكذب.. ربما أقول أنكِ تبادلينني الحب وأنكِ مثلي لا تطيقين الانتظار..
بيني وبينكِ حبٌ.. وأسرارٌ كثيرة..
قلبٌ معلقٌ بكِ.. وقصائدٌ لا تكتمل مهما أحاول..
هل تراكِ تبادلينني الحب؟!

+ ابتسمت المدينة.

12039473_897744613644726_5461240324747056887_n

رحمة

كل ما تقرأه، تسمعه، تمرّ به، أو يمرّ بك، يزرع نفسه داخلك..
في وعيك حين تشاء..
وفي لا وعيك دوماً، رغماً عنك..
كل المشاعر التي داعبتك في ليلةٍ مقمرة..
كل الحزن الذي غرس نفسه في خلايا قلبك كشجرة زيتون تصرّ على الحياة.. وتصرّ أنت على اقتلاعها..
كل الفرح الذي تركته يمرّ مروراً عابراً، توّليت عنه في غمرة انشغالك بندب حظك.. ولم تسمح له أن يزهر ياسمينةً تعرّش أغصانها في فؤادك فلا يعود خالياً أبداً..
كل الأخطاء التي ارتكبتها، تلك التي تخجل بذكرها، وتلك التي لمّا تنتبه لها بعد..
التجارب الفاشلة التي علّمتك شيئاً، وتلك التي اعتقدت أنها لم تعلمك البتة، لكنك لم تفطن للعبرة التي حفرت نفسها في لا وعيك لتمنحك بعدها شعوراً غامضاً تجاه ما يحدث تسميه أنت حدساً!
كل الذي دفعك لتنادي ربّك نداءً خفياً وأنت تعلم أنه يسمعك ويراك، أنّه قريب منك، الأقرب إليك..
وأنّه سيستجيب..
كل الاوقات التي أهداك الله فيها هدايا مغلّفة برحمته، مغلّفة بالحب، تدرك معها أنه يحرسك دائماً ويرعاك، وأنك لن تضل بعدها ولن تشقى!
كل الذي يحدث لك، يصنعك..
يعطي روحك مدداً..
ويمنحك بصمةً تميّزك عن غيرك.. تجعل منك أنت..
كل الذي يأتيك هو إشارة من الله إليك، فانتبه لها.. خذ بها..
وافتح لها قلبك ❤

1503525_800091156726557_8697143997325643761_n

حياة

أذكر أنني كنت أتصفح (الفيسبوك) عندما شاهدت خبراً تحتفل به إحدى الصديقات بولادة طفل.. في اللحظة نفسها التي تنعي فيها إحداهن وفاة قريب..
أدركت حينها أن الغيوم التي تلبد سماءنا عندما تنجلي لا تتلاشى وإنما تعبر وترحل لمكان آخر..
في اللحظة التي يموت فيها شخص، يولد آخر..
وفي اللحظة التي يفرح فيها شخص، يحزن آخر..
هي غيمة وستعبر فوق رؤوسنا جميعاً، بأوقات مختلفة..
سنذوق الفرح والحزن..
سيرافقنا النجاح تارةً وتارةً الفشل..
سنحب ونكره.. نرضى ونسخط..
عندها سندرك أننا أحياء وأن غيوم كهذه ضرورية لخلق نوع من التوازن في هذه الحياة..
أن هذه الغيوم هي الحياة!

11709790_490773667755853_2529391670502318463_n

سلام

عن الموت الذي يخطف بدون سابق إنذار، بدون تهيئة، بدون فدية قد تمنح أملاً ضئيلاً بالعودة، تاركاً خلفه ندبات في القلب والروح تشكل دارةً لحزن لا ينتهي..
عن الزمن الذي يمضي في الحرب، الزمن الذي يعني الكثير..
الزمن الذي قد يعني الموت لطفل جائع.. أو شيخٍ عاجز..
الزمن الذي يمرّ دهراً لأم تنتظر.. أو لا يمرّ، لا يمرّ أبداً في انتظار الغائبين..
الزمن الذي يشوّه كل شيء..ضحكات الأطفال، قلوبهم، يجعلهم يكبرون بسرعة.. يهرمون.. يفهمون كل شيء، يتمسّكون بأحلامهم الصغيرة وقطع الحلوى أكثر، يحبّونها أكثر.. ويدركون حقارة الحرب، وبشاعة الكبار!
الزمن الذي يلوّث العمر بأكمله بالترّقب والانتظار والقلق، ويقفل الأبواب في وجه الأحلام والأمنيات تاركاً إياها تضمر وتتضاءل وتذوي مع قلوب أصحابها..
عن كل هذا..
عن القلب الذي كفر بكل شيء سواك..
كفر بالبحار الجشعة التي تبتلع وتنسى، كفر بالحب الذي لم يعد حبّاً، وبالدفء الذي ولّانا ظهره وتوّلى.. كفر بالجوع، والظلم، والحزن..
وكفر بالوطن وأرض الوطن وخبز الوطن..
وآمن بك وحدك، وبقدرتك على كل شيء..
ربّ اجعل هذا البلد آمنا..
واجعل الحرب برداً وسلاما..
أنت السلام ❤

IMG_20151216_1

سماء

يخطر لي اليوم أن أبكي أو أن أضحك أو ربمّا أن أمزج بين الانفعالين بطريقة غريبة، وأنا أراقب وجوه الناس التي تتحاشى النظر في عينيك..
فنظرات العينين تفضح الكثير وفي القلب أشياء أكثر لا تُحكى!
لكل شخص حكاية، وألم، وعجز، وغصّة.. لكل شخص روح متعبة انحنى سقفها مع الزمن وكأنها تحمل هموم الأرض، وسماء قلب تنتهك في اليوم ألف مرّة مع كل لحظة.. ومع كل نسمة قلق تعصف بحبال الأمل.. دون أن يشعر بذلك أحد.. ودون أن يستنكر ذلك أحد!

يخطر لي أن أبكي وأضحك وأنا أراقب الحمقى يتحملقون حول الكعكة وكل منهم يصرخ ويطالب بحقه في القطعة الأكبر!
ويغرس سكينه.. ويطعن في الكعكة أكثر!

♥ وأنا أجلس في المنزل.. أتأمّل قطعة الكعك المجاورة لكأس الشاي، وأدعو الله أن يحفظ سماء قلبي

10270659_906636976015331_7611933711121595790_n

تشوّه

أحسد الحمام ..
يحفظ طرقات البلدة ويعرف حاراتها، رغم تساقط المباني والجدران..
في حين نعجز نحن عن التعرف على المكان الذي عشنا به سنيناً طويلة، وشوّهته الحرب..
يتأمل المشهد عن بعد دون أن يعيشه..
في حين نعيشه نحن بل وربما نموته أيضاً!
يملك حق الطيران والرحيل بعيداً عن الحزن..
وبعيداً عن كل شيء ..
أما نحن فإن استطعنا الرحيل، يرحل حزننا معنا وكأنه جزء منا غير قابل للبتر..
يتشبّث بنا كورمٍ خبيث..
وتتركنا أحلامنا.. تتخلّى عنا كابن عاقّ ولا نملك سوى الدعاء لها، كأمّ حنون..
شوّهتنا الحرب كثيراً.. وجراحة تجميليّة لا تكفي!

لا غائب يعود كاملاً، لا شيء يستعاد كما هو!

image

تفاصيل

تسافر تفاصيلنا الصغيرة معنا..
كل التفاصيل التي زينت حياتنا وكانت جزءاً منها، لا تنتهي.. بل توضب نفسها في حقائبنا وترافقنا..
وعندما تنتابنا موجة حزن، ذكرى ما، تخرج من الحقائب فجأة.. فيعم المكان الفوضى كما لو أن أحدهم قد بعثر حاجياتك أرضاً، أو ربما وضعها بطريقة تكرهها!
تلك التفاصيل!
تلك الذكريات، لو أننا نستطيع إبقاءها في الحقائب.. لو أنها لم تأت!
لو أنها تغرق في بحر ما..
تلك التفاصيل الغير حزينة بحد ذاتها، لكن شيء ما في ظهورها يبعث فيك حزناً تعجز عن وصفه أو فهمه!
تلك التفاصيل الغبية! تفقدك فهمك لذاتك.. هذا الذي تسعى نحوه دوماً وتظن أنك وصلت حتى تأتي هي فينتهي كل شيء..
ترغب في خنقها، لكنك لا تفعل..
فسعادتك بيدها وحزنك بيدها..
تلك التفاصيل أنت!

image

لو أنها تمطر

لو أنها تمطر اليوم،
لو أنها تمطر وتفيض.. وتغرق كل شيء بالمطر..
وتمسح كل الألوان الزائفة،
لزال لون الخيبة وفقدت قدرتها على التأثير بعمق النفس بسّوداويتها..
لو أنها تمطر وتمسح كل لون يشي بما يحويه..
لو أنها تمسح عن الحزن مرارته .. وتسرق من الاشتياق لوعته..
لو أن القلب يتغاضى قليلاً عن التفاصيل الصغيرة، لو أن الذاكرة تسهو قليلاً، لو أن العقل يفكر أقل..
لو أنها تمطر اليوم وتغسل كل شيء..
خيبات النفس بذاتها، وبالآخرين..
تعلّقها بالدنيا ونفورها منها في آنٍ معاً..
الخوف من القادم، التفكير الدائم، القلق الدائم..

لو أننا ننسى كل شيء.. ونعّد لأنفسنا فنجان قهوة وقطعة حلوى في صباحٍ اقترب موعد ولادة شمسه.. ندعو للغائبين أن يكونوا بخير، لأمنياتنا التي كدنا نتخلى عنها فعادت هي تتشبث بنا بقوّة، ونشعر بالامتنان لكل شيء، كل شيء، علّه يكون صباحاً تشهد النفس فيه إحدى ولاداتها ❤

image