تطرّف

يحدث أحياناً أن تعجز عن التعبير عما في داخلك، أن يخونك ليس الكلام فقط وإنما المشاعر نفسها.. تتخلى عنك.. تتركك معلقاً، عاجزاً عن تحديد طبيعة شعورك.
تبدو حينها كشخص غريب في بلد لا يفهم لغة سكانه ولا يحاولون هم أن يتواصلوا معه..
تحاول أن تخلق وسيلة تواصل، فتعجز.. ربما لأنك بالأصل غير راغب في التواصل مع من حولك.. ربما لأنك تشعر بالازدحام، بالفوضى.. أفكارك تملأ رأسك وتسير معك أينما ذهبت، تقرأها على الجدران التي تمشي بمحاذاتها، وتراها بين سطور الكتب التي تفتحها، وتطل عليك بوجهها المتسائل من فنجان قهوتك في الصباح..
تشعر بالاكتفاء، بعدم الحاجة إلى من تتحدث معه، ربما لأن أحداً لن يفهم، وربما لأنك لن تستطيع أن تشرح لأحد ما يحدث في داخلك، وربما لأنك لا تفهم نفسك في الحقيقة !
الأفكار كاللعنة، كمثبّطات المناعة.. تصيب المرء فتتركه يستسلم لها بدون مقاومة.. والنفس معتملة بالكثير، جلسة فضفضة لا تكفي !
الذاكرة تحتاج إلى ثقب ما، إلى مخيم لاجئين ينزح إليه سكانها، إلى ذاكرة أخرى تستوعب هذا الكم من الذكريات الهاربة من جحيم الحرب هناك.
والنفس تحتاج إلى خطة ما للتخلص من تطرف المشاعر المسيطر فيها، قبل أن يتفاقم الوضع أكثر وقبل أن يسيطر المتطرفون على مواقع حيوية كالقلب مثلاً !

image

تجديد

سأحكي لكم عن قصة الشاب الذي استيقظ يوماً ليجد أنه في عالم آخر !
عالم آخر غير الذي اعتاد عليه .. كل شيء فيه متغيّر وجديد.
لم يفكر بمغادرة سريره والقاء نظرة على هذا العالم الجديد ولو بدافع الفضول !
ولأنه يخشى التجديد ويسمي كل ما يندرج في مضمونه تحت مسمّى (بدعة) قرر أن يبقى على حاله وأن يعيد ضبط ساعته على موعد النوم ..
ونام !
وهناك شاب آخر استيقظ ليجد كل ما حوله مختلف ..
وهنا ،وجد هذه فرصة مناسبة ليغيّر من نمط حياته الروتيني الذي يصيبه بالضجر ووجد أن باب ( التطور والحضارة ) قد فتح على مصراعيه أمامه ..
فأسرع بمغادرة سريره والخروج من منزله إلى العالم الجديد..
لكنه نسي في غمرة اندفاعه وحماسه أن يأخذ معه ما يعينه في الطريق ونسي مفتاح البيت في الداخل أيضاً !
وانطلق يبحث عن معالم الاختلاف بين عالمه الذي مل منه وهذا العالم الآخر .. وعندما شعر بالتعب والجوع الشديدين ، قرر العودة إلى منزله عندما اكتشف أنه نسي المفتاح في البيت !
فوجدها فرصة مناسبة ليتخلص من المنزل القديم ولينتقل للسكن هنا حيث كل شيء لا يدفع إلى الملل !
وهكذا فعل وبقي في العالم الجديد إلى يوم يبعثون !
وهناك شاب ثالث عندما استيقظ في أحد الأيام ووجد نفسه في ذات العالم السابق ..
فكر قليلاً ثم قرر الخوض فيه ، لكنه قبل كل شيء وضع لنفسه خريطة للعودة وتأكد من أن مفتاح منزله في جيبه ولم ينسَ أن يأخذ معه شيئاً يسد رمقه فربما لا تناسبه أصناف الطعام التي قد يصادفها هناك 🙂
وفي أثناء خوضه في العالم الجديد وجد أشياء تناسبه فأقبل عليها وأعرض عن أخرى وجدها بعيدة عنه وعن أهدافه ومعتقداته.
وعندما عاد إلى منزله كان قد عاد بذخيرة معرفية أضافت إليه الكثير وكان على استعداد لإعادة التجربة في اليوم التالي .
عندما تحافظ على مبادئك لا يعني هذا أن تتقوقع على نفسك وتنغلق خوفاً من رياح التجديد …
وعندما تسعى للتجديد تذكر أن حياتنا أشبه ما تكون بمعادلة رياضية فيها طرفان …
والانتقال من طرف لآخر يغيّر إشارة الأرقام ( التي هي نحن) 🙂
احرص عند انتقالك أن تنتقل إلى الطرف المناسب بحيث تزداد قيمتك .

394860_565689376794492_519693222_n