جمال

قمرٌ يتوسط السماء ويرسل إشعاعاته تلقي عليك السلام، تصافح عينيك بهدوء وتتبع ذلك بمناجاة تستمر طويلا ً..
نسمة هواء تربت على كتفك، في اللحظة المناسبة تماماً فتنجو من حوت يأس كاد أن يبتلعك..
عزف عودٍ جميل يعيد الماضي إليك ويأخذك إليه، فتلتقيان في منتصف اللحن.. أنت الذي لطالما أحببت أغنيات الزمن القديم، وشعرت أنك تنتمي إلى ذاك الزمن لكنك ضللت الطريق فجأة فوصلت إلى هنا.
جمال المنظر حولك يملأ عينيك.. يجعلهما تفيضان بالحب كما لم تفعلا من قبل..
كيف يمكن إفساد جمال المنظر بصورة تلتقطها بهاتفك (الذكي) متجاهلا ً ذكاء عاطفتك وذاكرتك، الذي رسم للمشهد صورةً متكاملة؟
كيف يمكن لهاتف أحمق أن يتباهى بقدرة عدسته أمامك، أنت الذي تلتقط بعينيك أدق التفاصيل، أجمل الألوان، المشهد الحقيقي.. وتحتفظ بكل هذا إلى الأبد في مكان ما _لن أسميه ذاكرةً فثمة أشياء لا تنسى حتى بعد فقدانها_ بعيداً عن الحذف والإضافة والتعديل وحماقات الهواتف الذكية!
كيف يمكن لعالم المادة ادعاء القدرة على تخليد اللحظة؟
وكيف يمكن لك أن تنبهر بأسلحته وأنت تملك الأسلحة الأقوى، والأحدث.. مهما صدرت تحديثات جديدة ومهما اختلفت أرقام النسخ الأحدث؟
إن عالم المادة يتطور فعلا ً، التكنولوجيا والعلوم في تطور، وعالم الروح يضمحل شيئا ً فشيئا ً ونحن نصدق بسذاجة كل ما يقال لنا باسم العلم.. غافلين عن أننا نحن أنفسنا لسنا أجساداً وحسب! وأننا نحن الأصل ونحن النسخة الأولى، والنسخة الأحدث!
النسخة التي تسمو أيضاً عن عالم المادة بالروح..
النسخة التي تحتفظ بأدق التفاصيل، القادرة على تحليل المعطيات بذكاء وعاطفة معاً، فهما جزء لا يتجزأ ولا ينفصل..
النسخة التي تتمتع بالإحساس.. هذا الإحساس الذي ينفرد به كل منا.. يتميز به..
لا تستطيع أن تنقل للآخرين روعة المشهد عبر صورة، فوحدك من يرى المشهد الحقيقي..
المشهد الحقيقي ثلاثي الأبعاد ملكك وحدك.. ولا يمكن لأحد أن يشاركك به ما لم يكن حاضراً معك.. حتى أن أبعاداً أخرى تلعب دوراً تترك لكل شخص انطباعاً معيناً عن ذات المشهد..
دع هاتفك جانباً وتأمل الجمال.. املأ عينيك واروِ ظمأك..
الصور التي تسكن الذاكرة لا تموت.

13466028_203304116731136_1568094572976864644_n