رضا

في نظرة إلى المرآة، أدركت كل شيء..
كانت المرآة أمامي في كل لحظة.. لكنني لم أكن أنظر إلى نفسي حقاً فيها.. وعندما نظرت أدركت أنني قد تغيرت كثيراً..
لست أدري متى حدث هذا بالضبط.. ثمة أشياء ننتبه لها بعد حين.. كالشجرة التي تنمو والأطفال الذين نراهم فجأةً يكبرون.
أدرك الآن أخطائي جيداً، أعرفها تماماً وبوسعي أن أشير إليها في الظلام.. وأعلم جيداً كم القناعات التي كنت أعتقد أنها عين الحقيقة وقلبها واليوم أجد نفسي أؤمن بعكسها تماماً.
إن الحياة الحقة هي أن تخطئ وتصيب.. أن تسلك طريقاً كنت تعتقد بصحته فتجده في النهاية لا يفضي إلى شيء سوى السراب.. فتعود أدراجك وتمضي في طريق آخر.. لكنك استبعدت إحدى الطرق من خططك القادمة.
وإنني قد استبعدت طرقاً وقناعاتٍ قديمة بالفعل، ولا زلت أحتفظ بطرق أخرى أعتقد أنها سالكة، وقناعات أؤمن بها.
ولا أعلم إن كنت سأحتفظ بإيماني هذا لوقت لاحق..
إنني أؤمن بالحب، رغم كل ما يحيط به من أفكار خاطئة واعتقادات أكثر خطأً.
إنني أؤمن به وأبحث عنه..
وأجده يبدأ من العقل.. بعيداً عن كل المظاهر والشكليات والماديات والألقاب التي تثبت لي الحياة يوماً بعد يوم أنها لا تعني شيئاً.. وفي أوقات كثيرة تجعلني أحتقرها وأنا أنظر إلى مجتمع كامل قائم عليها!
ولست أنكر رغبتي في أن أجد ذلك الشخص الذي أحبه حقاً.. الذي يروق لعقلي حديثه وأفكاره.. الذي يسعى نحو النجاح ويتمناه لي أيضاً.
الذي يؤمن أن الحب شراكة لا توزيع أحمق للأدوار!
ذلك الشخص الذي كثيراً ما أجده بين صفحات الروايات.. بطلا ً على الورق.. ولا أجده أبداً في الواقع.
رغم كل هذا، لا زلت أؤمن بالحب.
ولا زلت أعتقد أنه يمكنني أن أصبح الأم التي أحب، والزوجة التي أريد، دون أن أخسر حلمي أومستقبلي أو عملي.. ودون أن يكون خيار الاختيار بينهما مطروحاً منذ البداية!
ولا زلت أؤمن بالشغف.. وأن العمل المستمر سيثمر حقاً والرغبة التي تنبع من القلب لا تفتر.
وأن العمل الدؤوب كرغيف الخبز.. ضرورة يومية.
وأن السعي نحو الحلم هو حلم آخر لا يقل عنه سعادةً ولذة.
كما لا زلت أؤمن بالسعادة والتفاصيل الصغيرة التي تخلقها.. وإنني على قناعةٍ تامة بأننا نحن من يصنعها.. كلٌ بما يحب..
أجدها موجودةً في درب جميل رغم التعب ولحظة راحة بعد يوم متعب شاق، في جلسة مع عائلة دافئة وحديث يطول، في لقاء الأصدقاء، في قراءة كتاب أحلم باقتنائه منذ زمن، وفنجان قهوة لذيذ مع قطعة حلوى تذوب في فمي وتمنحني شعوراً مؤقتاً بالرضا.
أن أنظر إلى نفسي جيداً، أتعرف إليها كشخص جديد يدور بيننا حوار للمرة الأولى، أصغي لصوتها، أفعل ما تمليه علي، ما أحبه حقاً، ذلك هو الرضا، الرضا الحقيقي.

67940_231203230372899_756722276_n

صباح إسعافي

صباح لا يوحي بشيء..
لا يهديك سعادة ما ولا يسلمك للحزن..
صباح كريم يترك لك حرية اختيار مزاجك لهذا اليوم..
جولة مشي في صباح ولد منذ ساعات لتبتعد عن كل الضجيج من حولك، والضجيج الذي في داخلك.. لتخرس كل تلك الأصوات التي تصر على الكلام وتصر أنت على رفضها..
رائحة الصبح، الشارع الذي يتنفس قبل زحام الساعات القادمة، وشجيرات قليلة تحتضن أزهاراً صغيرة لا تعرف اسمها ولا يهمك في الحقيقة أن تعرف، أنت تحبها فقط بعيداً عن غربة الأسماء!
للطبيعة سحر يدفعك لتحبها بكل ما فيها، بالعشوائية التي نبتت فيها حشائش بين بلاطات الرصيف، بالرائحة التي هي مزيج من روائح عدة، بالسكينة التي تبثها فيك، بلونها الأخضر المريح لعينيك والذي يبعث الأمل في قرارة نفسك، ومزيج الألوان الأخرى التي لا تشبه شيئاً تعرفه من صنع الإنسان..
تتمنى لو أن لديك حديقة خضراء ملحقة بمنزلك تعترف لها بحبك كل يوم وكأنها المرة الأولى!
تمر فتاة بجوارك وتبتسم، تبتسم لها بالمقابل وتفكر في معنى هذه الصدفة.. ما معنى أن تلتقي هذه الفتاة هنا وتبتسمان لبعضكما.. سؤال تافه!
تخبر نفسك أنها ليست صدفة بل هو “شيء ما”.. ككل شيء آخر يحدث لك.. ككل شعور راودك وزرع نفسه بداخلك دون أن تشعر..
شيء يذكرك أن الآخرين مثلك بالضبط، لو أنك بادرت الفتاة بالابتسام لابتسمت حتماً.. إذن لماذا نمارس علاقاتنا مع الآخرين بكل هذا التعقيد؟!
في حين أن كل ما يلزمك هو أن تقول ما تشعر به.. دون محاولات المناورة التي تمارسها حتى على نفسك!
شيء يخبرك أن الحاجة للآخرين أمر جيد ولا ينتقص منك شيئاً وأنه من الأفضل أن تستعين بالشمعة بدلاً من محاولتك المشي متخبطاً في الظلام كي لا تعترف بفضل الشمعة!
تشعر بالسلام يحل داخلك طارداً كل الأشياء التي تثير حنقك وتشعرك بالتعاسة..
كم هي غريبة النفس البشرية في تقلب مزاجها.. من الحماقة أن تدعي أنك فهمت نفسك بشكل كامل.. فما الحياة إلا رحلة لمعرفة النفس التي ابتدعها الخالق بطريقة يعجز العلم عن تفسيرها.. وتعجز أنت عن وصف شعورك نحوها.. نحو هذا الشيء الذي يدعى أنت!
ولكنك بحاجة لتفهم نفسك، لتلبية رغباتها وإن كانت تبدو غير ذات قيمة، وكما يقال النفس وما تهوى!
أنت بحاجة لتلبية رغباتها، لتسكن إليك.. فتحبها!
وبحاجة إلى لحظات تخلو بها معها لتحب الآخرين أكثر!
وبحاجة حتماً إلى صباح كهذا لا تمنحه الحياة لك كل يوم، لكنها تمنحه إليك عندما تصبح عاجزاً بدونه..
كجرعة إسعافية من الأكسجين لحظة الاختناق.. ليمنحك توازناً من نوع خاص لتقبل على الحياة بحلوها ومرها.. لتحب نفسك والآخرين..
ولتحبها! ❤

10647121_794141070636161_7544545455292681231_n

صوفيّة الحب

ثمّة فكرة صوفيّة تقول أن الحب سهم ، إذا انطلق من قلب أحدهم أصاب ولا بد قلب الأخر وإن تأخّر ..
لكن ماذا عن سهمين انطلقا في آن واحد ومن مسافتين متساويتين ؟
أيهما تراه يصل اولاً ؟
دعني أجيب :”ليس أي منهما” ..
ثمّة مسافات بعيدة تفصل بيننا .. لكنها مسافة نظرية فقط ..
أسهمنا لا تحتاج لأن تنطلق لأنها هناك بالفعل ..
حيث يجب أن تصل ..
ليس هناك مسافات بين المحبين ..
وليس ثمة أسهم بين المرء ونفسه !

37386